الفاروق عمر بن الخطاب - سيرة الفاروق عمر بن الخطاب - سلسلة من عشرون جزء - الجزء الثاني


الفاروق عمر بن الخطاب - سيرة الفاروق عمر بن الخطاب - سلسلة من عشرون جزء - الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم : Ahmed M Kamel
ـــــــــــــــــــ

* عمر ذلك الشاب الشديد على المسلمين المجاهر بعداوته لهم بدأ يختلى بنفسه كثيراً تلك الأيام .. بدأ يتبع محمد ﷺ كثيراً أيضاً .. دون أن يشعر بدأ يستمع للقرءان .. فى أحد الأيام تبع رسول الله و كان ذاهباً للصلاة عند الحرم فجلس خلفه يستمع إليه فإذا هو يقرأ آيات من سورة الحاقة فتعجب عمر من القرءان المعجز .. العرب كانوا أصحاب لغة و لم يكن ليفوتهم أبداً أن القرءان ليس كلام بشر .. كانوا جميعاً متأكدين أنه ليس شعراً و لا نثراً و لا سجعاً و لا شبيهاً بأى مما يعرفونه .. و إن كان العرب أصحاب لغة فكيف عمر و هو الخبير بفنون الشعر ..

ـــــــــــ

* بدأ محمد ﷺ قراءة سورة الحاقة و كلما قرأ رد عمر فى نفسه بشىء يثبته فقال لعله قول شاعر .. فى تلك اللحظة وصل رسول الله ﷺ إلى قوله تعالى :

(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ )

فتعجب عمر من هذا .. فقال :

- لعله إذاً قول كاهن 

فأكمل رسول الله الآيات :

( وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ )

ـــــــــــ

* لم يقف الأمر عند ذلك الحد فقد سمع عمر رسول الله ﷺ أكثر من مرة يقرأ القرءان و فى كل مرة يسمعه كان القرءان يرد على ما فى نفسه فيروى أنه فى جاهليته تبع رسول الله حتى بدأ يصلى و يقرأ القرءان قائلاً :

( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ )

و على الفور بدأ عمر بالتفكير .. ربما كان محمد على حق .. لما لا و هو أمياً لا يقرأ و لا يكتب فمن أين أتى بهذا القرءان المعجز .. لم لا و هو الصادق الأمين و لم يعرف عنه أبداً أنه كذب .. لما لا و هذا القرءان لا يشبه ما ألفناه و تعلمناه أبداً .. لم لا و قد تحمل الناس العذاب و الهوان من أجل هذا الدين .. كان عمر يخطو دون أن يشعر إلى الإسلام و لكن كان يصده خوفه على مكة و تأثر مكانتها بين العرب بسبب هذا الدين .. النظام القبلى كله قد ينهار و يتساوى السادة بالعبيد و تصبح قريش معيرة بين العرب ..

ـــــــــــ

* كان عمر يخطو للأمام خطوة ثم يتراجع عنها مجدداً .. كان تحديداً لا يعرف ماذا يفعل أو إلى أين يتجه فتارة تجده رقيق القلب هادىء الطباع و تارة أخرى تجده فى شده الغضب .. تارة تغشاه سكينة الإسلام و تارة أخرى تأخذه حمية الجاهلية و لا يوجد أدل على تلك الحالة مما روته ليلى#أم_عبد_الله_بنت_أبى_حثمة زوجة #عامر_بن_ربيعة_العنزى حينما كانت تتجهز للهجرة إلى الحبشة و كان عمر شديد البطش بهما فلما رأته آتياً نحوها خافت و كانت وحدها حيث كان زوجها يقضى حاجة لهما فسابقها عمر بقوله :

( إنه الإنطلاق يا أم عبد الله ؟ )

فاستجمعت قوتها ثم ردت قائلة :

( نعم .. و الله لنخرجن فى أرض الله .. آذيتمونا و قهرتمونا .. حتى يجعل الله لنا فرجا )

فنظر لها عمر لحظة ثم قال :

( صحبكم الله )

فلما عاد زوجها قصت عليه ما رأت من عمر و كيف أنها شعرت منه بلين لم تعتاده منه فقال لها :

( كأنك قد طمعت فى إسلام عمر .. إنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب )

كانت ليلى على حق و عامر أيضاً كان له عذره .. فهى رأت منه رقة غريبة عليه أما عامر فلم يره وقتها .. فى الواقع عامر بن ربيعة لم يكن يعلم بدعاء رسول الله ﷺ بعد ..

ـــــــــــ

* فى ذلك الوقت و فى مكان أخر كان رسول الله ﷺ يرفع يديه بالدعاء إلى الله ليعز الإسلام و المسلمين خاصة بعد ما لاقاه المسلمين من أذى على يد مشركى قريش فقال :

( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك .. بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب )

لم تمر فترة طويلة حتى سمع عمر بخبر إسلام أسد الله#حمزة_بن_عبد_المطلب فاغتاظ من هذا و عزم على إنهاء أمر الدعوة الوليدة قبل أن تفرق بين سادات مكة فقرر فى نفسه أن يقتل محمد ليريح قريش من دعوته فإن قتله قام بتسليم نفسه إلى بنى هاشم ليقتلوه قصاصاً لمحمد و ينتهى الأمر .. قرر عمر أن يفعل ذلك دون أن يعلم أنه كان أحب الرجلين إلى الله ..

ـــــــــــ

* ذهب عمر إلى بيته فاستل سيفه و خرج من داره قاصداً محمد ﷺ .. كل من رآه ذلك الوقت أيقن أن عمر يضمر فى نفسه شراً .. و هكذا تفاوتت الحالة النفسية لعمر بين هدوء و سكينة مع أم عبد الله و بين شدة و غلظة فى مسألة قتل محمد ﷺ .. و هو فى طريقه يبحث عن رسول الله لقيه#نُعيم_بن_عبد_الله فعلم أنه ينوى شراً و كان أحد الذين أسلموا و أخفوا إسلامهم فقال له :

( أين تريد يا عمر ؟ )

فرد عمر قائلاً :

( أريد محمداً .. أريد أن أقتل هذا الصابىء الذى فرق أمر قريش و سفه أحلامها و عاب دينها و سب ألهتها )

فخاف نُعيم على رسول الله ﷺ فأراد أن يثنيه عما يريد فقال له :

( و الله لقد غرتك نفسك يا عمر .. أترى بنو عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض و قد قتلت محمداً .. أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم أولاً .. أختك فاطمة و زوجها #سعيد_بن_زيد قد و الله أسلما و تابعا محمد على دينه فعليك بهما )

ما أن سمع عمر كلام نُعيم حتى وصل غضبه إلى الذروة .. و إن يكن .. فليقتل فاطمة و سعيد أولاً قبل أن يقتل محمداً .. هنا رأى نُعيم أن التضحية بفاطمة و سعيد أولى من ذهاب عمر إلى رسول الله ﷺ فحول تفكيره ناحيتهم و هو بهذا اختار أخف الضررين .. فى الواقع نُعيم لم يكن يعلم أن الله قد سخره لخير عظيم سيعود على الإسلام و المسلمين لاحقاً ..

ـــــــــــ

* انطلق عمر مسرعاً نحو بيت ابن عمه و زوج أخته سعيد بن زيد و كان عندهما الصحابى #خباب_بن_الأرت يعلمهما القرءان فلما سمعوا طرقه للباب اختبئ خباب رضى الله عنه بسرعه قبل أن يفتح له سعيد الباب فلما رآه أمسكه عمر بقسوة و قال له :

( أراك صبأت )

فرد عليه سعيد رضى الله عنه بخوف قائلاً :

( أرأيت إن كان الحق فى غير دينك ؟ )

فانقض عليه عمر يضربه بعنف فلما حاولت فاطمة منعه أمسكها هى الأخرى و قال لها :

( أراكى صبأتى )

فردت عليه قائلة :

( يا عمر .. أرأيت إن كان الحق فى غير دينك ؟ ) 

فلم يتمالك عمر نفسه فلطمها لطمة شقت وجهها فسال منه الدم .. من قوة الضربة وقعت على الأرض و كانت ممسكة فى يدها صحيفة بها قرءان فلما رآها قال لها :

( ناولينى تلك الصحيفة )

فأبت رضى الله عنها و ردت عليه :

( أنت نجس .. و هذا كلام الله لا يمسه إلا المطهرون .. إذهب فاغتسل ثم تعال فأقرأها )

الدم على وجه أخته و الفوضى التى أحدثها فى البيت و قبل ذلك فضوله لقراءة ما فى الصحيفه جعله يسمع كلام أخته فذهب و اغتسل و خلال ذلك الوقت هدأت نفسه قليلاً .. أمسك الصحيفة ثم شرع يقرأ ما فيها فإذا بها ما تيسر من سورة طه :

( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ * إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ * تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ )

فما أن إنتهى من القراءة حتى اهتزت نفسه و بدأ شريط الأحداث يمر أمام عينه ..

- صوت المنادى ( يا جليح .. يا جليح )
- صبر محمد و من تبعه من المسلمين على الأذى
- ما سمع من القرءان و هو خلف محمد
- هجرة المسلمين و فرارهم بدينهم
- و أخيراً كلام الله فى يده

فنظر لهما ثم قال بهدوء :

( و الله ما هذا بكلام بشر .. أين محمد .. أين رسول الله )

فاستبشرا بإسلامه و أخبراه بوجوده فى #دار_الأرقم_بن_أبى_الأرقمفخرج إليه مسرعاً لا يلوى على شيىء ..

ـــــــــــــــــــ

- لم يبق بين عمر و الإسلام إلا دقائق معدودة ..

- لم يبقى بين المسلمين و العزة إلا دقائق أيضاً ..

- حال المسلمين سيتغير تماماً خلال دقائق ..

- و لكن .. تلك قصة أخرى ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط الجزء الأول :
الفاروق عمر بن الخطاب - سيرة الفاروق عمر بن الخطاب - سلسلة من عشرون جزء - الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفاروق عمر بن الخطاب - سيرة الفاروق عمر بن الخطاب - سلسلة من عشرون جزء - الجزء الثاني

تعليقات